حريق بغداد
حريق
بغداد
من الحرائق التي يذكرها التاريخ ،حريق
مدينة بغداد التي أضرم فيها هولاكو النار
بكل جبروت و قسوة و تسلط. و بغداد مدينة علم و فن بناها المنصور عام 145 و جعلها مدورة محيطة بقصره من كل
الجوانب و لها أربعة أبواب و سور محكم .وتكلف بناء بغداد في ذلك الوقت 18 مليون دينار و أصبحت بغداد مركزا للحضارة و الفكر و
الإبداع و استمرت عاصمة للخلافة إلى أواخر القرن الثامن الميلادي حيث أصبحت سامراء
عاصمة للفترة من 846-892 م ثم عادت بغداد لتصبح عاصمة الخلافة
من جديد في أواخر القرن التاسع.
و صمدت المدينة في وجه الانشقاقات و
التغييرات الكثيرة في الدولة العباسية إلى عهد آخر الخلفاء "المعتصم" الذي انصرف إلى الاهتمام باللهو
و الموسيقى تاركا جيشه مهملا دون رعاية و أوكل إلى وزيره محمد بن العلقمية مهمة إدارة البلاد . و كان الوزير هذا
على صلة بالقائد المغولي الطاغية هولاكو يمده بآخر المعلومات عن أحوال الجيش و
البلاد و الخلافة.
و قام هولاكو ببعث رسله إلى الخليفة
العباسي طالبا منه إعلان الاستسلام و وضع بلاده تحت تصرف إمبراطورية المغول
الجديدة.و استنكر الخليفة العباسي هذا الأمر و أكد للطاغية هولاكو عدم رغبته في
الحرب .و لكن هذا تقدم بجيشه ووحشيته المشهورة في الثلاثين من كانون الثاني من عام 1258 م فأحاط بأسوار مدينة بغداد و أمطرها
بوابل من حجارة المنجنيق و طلب انسحاب جيش بغداد في اتجاه سورية حيث طوقه و قتل
جميع أفراده بوحشية بالغة.
و دخل هولاكو بغداد فاتحا ظالما يهيب
بجيشه أن يقتل أو يسلب أو ينهب و يستبيح الأموال و القتل و الدمار،حيث أضرم النار
في المدينة بصورة شاملة و لم يترك فيها زاوية أو جزءا إلا و أصبحت موقدا لنار
هائلة ، أتت على كل شيء خلال سبعة أيام ، و دمرت حضارة كلفت الإنسانية مئات من
الأعوام و التهمت النار المساجد و المدارس و المعابد و مراكز التطبيب و البيوت و
القصور. و لعل أقسى حصيلة للنار كانت التهام المكتبات و المراجع العلمية و الطبية
و الأدبية التي شكلت كنوزا في التاريخ الحضاري العالمي حيث أقام هولاكو و جنده
نطاقا في مختلف أنحاء المدينة لإحراق تلال من الكتب و المخطوطات.
و
ما زال التاريخ يذكر باستمرار حريق بغداد ، و الدمار الذي لحقها بسببه ، كأبشع
صورة من صور الغزو الأجنبي لبلاد آمنة انصرفت للعلم و الأدب و الفن و أصبحت مركزا
حضاريا تؤمه الجماعات الطالبة للمعرفة من أقصى العالم.
و بلغ عدد ضحايا الغزو المغولي لبغداد 800 ألف شخص من ضمنهم الخليفة المعتصم و كافة أفراد
أسرته.و بذلك انتهت فترة الخلافة العباسية في بغداد بنهاية الخليفة السابع و
الثلاثين.و ترك المغول ببغداد خرابا ينعق فيها البوم ، ليس فيها بناء قائم أو
مدرسة مشيدة أو مسجد أو مستشفى إلا و أتت عليه النيران الهائلة محيلة إياه دمارا و
خرابا لا نفع منه.