تاريخ الكتابة وانواعها
تقديم:
لقد بدأ تاريخ الإنسان منذ اللحظة التي ظهر فيها على سطح الأرض ، و أخذ يتفاعل مع بيئته ، فبدأ في إنتاج مظاهر حضاراته المختلفة ، و لم يتوصل إلى ما نشاهده من حضارات راقية إلا بعد آلاف عديدة من السنين .فقد عاش الإنسان القديم فترة طويلة من حياته دون أن نعرف عنه الشيء الكثير لأنه لم يكتب لنا عن نفسه شيئا ، حيث كان لا يعرف الكتابة و لذلك سميت هذه المراحل الطويلة التي عاشها الإنسان القديم قبل أن يعرف الكتابة بمراحل و أزمنة ما قبل التاريخ، و نجد الباحثين قد قسموا تاريخ الإنسان على أساس تطوره الحضاري إلى قسمين رئيسيين : القسم الذي سبق معرفته للكتابة و سمي ب « عصر ما قبل الكتابة أو التدوين» و القسم الذي عرف فيه الكتابة فسمي ب « العصر التاريخي أو عصر الكتابة أو التدوين»، على اعتبار أن الإنسان في هذا القسم من حياته توصل إلى التدوين و بذلك وجد التاريخ.
فالكتابة هي من أهم الإنجازات التي حققها الإنسان، تساعد الناس على التواصل فيما بينهم قال الشاعر:
الخط يبقى زمانا بعد كاتبه وكاتب الخط تحث الأرض مدفون
و قال المثل اللاتيني : "Verba volant , scriba manent " « تطير الكلمات و تبقى المخطوطات»، و الكتابة هي الوسيلة الثانية للتخاطب بعد اللغة،لكنها لم تعبر عن اللغة إلا في مرحلة متأخرة من مراحل التطور الإنساني،لأن أول الوسائل التي استعملها الإنسان بديلا للغة هي الأشياء المرتبة أو المنقولة أو المسموعة،و ذلك بإعطاء هذه الأشياء معاني رمزية كوجود بقايا الرماد في مكان دليل على أن قوما كانوا في ذلك المكان،فبدأ الإنسان يتعلم القراءة قبل الكتابة.
:الكتابة التصويرية:
كان الفن التصويري أول خطوة في طريق الكتابة الأولى لدى الإنسان و هي التي يرتبط تاريخها بتاريخ الفن التصويري ، فالكتابة البكتوغرافية هي عبارة عن « لوحات عن طريق الصور» و اختلف العلماء حول تحديد زمن ظهور هذه الكتابة إلا أن الأمر أكثر احتمالا هو أن هذه الكتابة قد بدأت في العصر الحجري المتوسط (الميز وليت) بين 15 ألف و 8 آلاف سنة ق.م.وهذه الكتابة تتناول المشاكل الحياتية وقصص الصيد و الصلوات و الأدعية أو بعض الأحداث الهامة.
و يمكن القول أنها اتخذت صورتها النهائية في العهد الحجري الحديث(النيوليت) الذي بدأ بالنسبة لمعظم الشعوب منذ الألف الثامن و السادس قبل الميلاد و الحفريات التي أجريت في مختلف مناطق حضارات الشرق القديم تؤكد هذه الفكرة و معظم ما وصلنا من هذه الحضارة
يعود إلى عهد النيوليت و الكتابة في آثار هذه الحضارة كالمصرية القديمة مثلا (نهاية الألف الرابع ق.م)تطورت من مرحلة الكتابة البيكتوغرافية إلى الكتابة اللوغوغرافية.
:الكتابة اللوغوغرافية:
يرتبط ظهور الكتابة البيكتوغرافية و استمرارها بوجود المجتمعات القبلية الصغيرة البسيطة و المتجانسة إلا أن هذه الكتابة لم تكن ثابتة ، كانت تخترع حسب الظروف والأحداث و لم تكن هناك حاجة للقراءة و الكتابة من أجل فهمها ، و أدى تطور المجتمع إلى ضرورة وجود قواعد ثابتة ، و هكذا أخذت اللوحات البيكتوغرافية بالتجزء إلى عناصر و رموز منفصلة ثابتة المعنى و الشكل التصويري ، وصار كل رمز منها يعني كلمة منفصلة ، فولدت عن ذلك كتابة جديدة سميت بالكتابة اللوغوغرافية من اليونانية Logos (كلمة) و grapho (أكتب).
و يرى بعض المؤرخين أن هناك أصل للكتابة اللوغوغرافية و هو الأصل السومري الذي أخذت عنه كل من مصر و الصين كتابتهما ، و يستشهدون على ذلك بأقدمية الكتابة السومرية و بالتشابه الموجود بين رموزها و رموز المصرية الصينية.
لقد تم الانتقال من الكتابة البكتوغرافية إلى الكتابة اللوغوغرافية نتيجة العديد من العوامل بالإضافة إلى أنها لا تعبر فقط عن المضمون العام للكلام ،بل تعبر كذلك عن تجزأ هذا الكلام إلى ألفاظ كما عبرت عن مفردات اللغة و هذا ما جعل الكتابة اللوغوغرافية أكثر تباتا
واستقرارا بالنسبة لسابقتها التي كانت تكتب وفقا للمناسبات،كما عبرت عن أدق و أعقد المصطلحات العلمية و الفنية و الأدبية، إلا أن هذه الكتابة فيها الكثير من أوجه النقص،ومن ذلك صعوبة التعبير عن المجردات و أسماء الأعلام ، و صعوبة أداء المعاني الصرفية بالإضافة إلى كثرة الرموز فيها مما أوجب الانتقال إلى الكتابة المقطعية فالحرفية.
و لقد اتجهت الكتابة اللوغوغرافية إلى تبسيط الشكل المكتوب ، فاتجهت الكتابة المصرية إلى الهيروغليفية ، وهي الكتابة المنقوشة على الأحجار ثم الهيراطيقية أي كتابة الكهنة تم الديمقرطية أي الشعبية ، و خضعت الشومرية لمثل هذا التبسيط رغم أنها تمتاز بخطوطها الواضحة المستقيمة، أما انتقال الشومريين إلى الكتابة الإسفينية كان سببه الألواح الأجرية التي كانوا يكتبون عليها بأقلام إسفينية الشكل.حيث كانوا يرسمون النص على الألواح الطرية تم يدفعون بها إلى النار ثم صاروا يلصقون القلم باللوح، فيرسمون به الخط مما جعل الخط يتخذ الشكل الإسفيني و يسمى بالخط الإسفيني أو المسماري.
:الكتابة المقطعية:
تعني الكتابة المقطعية أن الرمز فيها يشير إلى مقطع من كلمة، و ليس إلى كلمة بطولها، يمكن تقسيم هذه المقاطع إلى:
كتابة يشير فيها الرمز إلى أي نوع من المقاطع: مثل= صوتي +ساكن
- ساكن + صوتي
- ساكن + صوتي + ساكن
كتابة يشير فيها الرمز إلى المقاطع التالية دون غيرها: صوتي
- ساكن + صوتي
- كتابة يشير فيها الرمز إلى : صوتي
- ساكن + صوتي â .
و قد ظهرت الكتابة المقطعية على أساس الكتابة اللوغوغرافية، و أهم ما تمتاز به على سواها أنها سهلة التكلم و الاستعمال، و سبب ذلك قلة رموزها إذا ما قورنت بالكتابة اللوغوغرافية،كما أنها سهلة التعلم، لكنها تتراجع أمام الكتابة الحرفية فيما يلي :
عدد المقاطع، فعدد المقاطع في اللغة أكبر بكثير من عدد الأصوات، و لهذا فهي تتطلب عددا من الرموز يفوق ما تتطلبه الكتابة الحرفية التي يتراوح عدد حروفها بين 20 و 40 حرفا.
صعوبة أداء الأحرف الساكنة،لأن رموز الكتابة المقطعية تعبر عادة عن الصوتي أو الساكن + الصوتي مثل : ( آ أ و و ا )، و لهذا كان لا بد من صياغة عدد كبير من الرموز الإضافية في الكتابات المقطعية التي ما زالت مستعملة في وقتنا الحاضر كالكتابة الهندية على سبيل المثال.
ظهرت أقدم رموز الكتابة المقطعية في الشومرية فجر الألف الثالث ق.م،و ذلك على أساس لوغوغرافات كانت تعني كلمة واحدة المقطع، فالرمز الذي كان يشير إلى كلمة سهم و هو (ti) في الشومرية أخذ يستخدم أيضا كمقطع Ti حسب وروده في كلمات مختلفة، و قد ترسخت الكتابة اللوغوغرافية المقطعية الشومرية في منتصف الألف الثالث ق.م. و السبب الرئيسي في الانتقال إلى هذه الكتابة،كان ضرورة تدوين أسماء الأعلام،لأن تدوينها بالطريقة اللوغوغرافية أمر مستحيل بسبب اختلاف البناء اللفظي للشومرية عن غيرها من اللغات ،كما أن البناء القواعدي للغة الشومرية ساعدها على الانتقال إلى الكتابة المقطعية،فقد كانت أقرب إلى اللغات اللصيقة،وكان من الضروري إيجاد رموز معينة تشير إلى اللواصق، ومن العوامل كذلك التي ساعدت على ظهور رموز الكتابة المقطعية في الشومرية هي وجود عدد كبير من الكلمات الوحيدة المقطع و السهلة اللفظ، و كانت هذه الكلمات مكونة من :
- مقطع صوتي مثل: i خمس ،
- مقطع ساكن + صوتي مثل su يد
- مقطع صوتي + ساكن مثل as واحد
- مقطع ساكن + صوتي + ساكن مثل kur بلاد.
فالكتابة الشومرية المقطعية و ضعت رموزا للمقاطع و لم تضع رموزا للحروف الساكنة،و ذلك عكس الكتابة المصرية التي وضعت رموزا خاصة بالسواكن، مما أدى إلى ظهور الكتابة السامية و مهد هذا إلى الكتابة اللفظية.
:الكتابة الأبجدية:
ظهرت أول الأبجديات القائمة مع الأحرف الساكنة لدى الشعوب السامية و بعض
الشعوب الحامية،وكانت الكتابة الأبجدية الحرفية أكثر ملاءمة من لغات العالم ،و ذلك أنها كانت قادرة على التعبير على ألفاظ اللغة، و تبدلاتها بأقل عدد من الرموز ، وكان هذا سببا لانتشار هذه الكتابة.
كان المصريون أول من كتب بالأبجدية الساكنة،و ذلك لطبيعة اللغة المصرية القديمة التي كانت ذات أوجه شبه كبيرة مع اللغات السامية في آسيا الصغرى و الوسطى كالآشورية و البابلية و الفينيقية و التي تلعب السواكن الدور الأول فيها، أما الصوتيات فكانت ثانوية الأهمية بالنسبة للمصريين،وكان استعمالها مختلفا باختلاف اللهجات:إلا أن الكتابة المصرية لم تصبح كتابة أبجدية حرفية، وسبب ذلك هو وجود اللوغوغرافات في هذه الكتابة بسبب كثرة وجود الكلمات المشتركة لفظا (الأمونيمات) مثلا كلمةm-n-h كانت تعني «الشاب» و «البردي» و «الشمع»، لذلك تطلبت رموزا للتمييز بينها فأضافوا إليها الرموز الآتية:«إنسان» و «غصن البردي» و «مادة متفتتة».
لقد كانت الكتابة المصرية تمثل نظاما يجمع بين كتابتين اللوغوغرافية و اللفظية وتستعمل فيه:
- اللوغوغرافات المستقلة.
- اللوغوغرافات المعبرة عن اللفظ.
- الرموز اللفظية المعبرة عن أجزاء من الكلمات، و هو ما يسمى خطأ بالرموز المقطعية.
:خلاصة:
في مجمل القول يتبدى لنا أن الكتابة قد قطعت مراحل، وكان الفن التصويري أول خطوة في طريقها ثم تطورت من هذه المرحلة البكتوغرافية إلى مرحلة الكتابة اللوغوغرافية، ثم إلى الكتابة الأبجدية.